من نحن | تواصل معنا: tahrir@mashahidsooriyyah.org

صوت يتحدى الحصار

فريق شبكة الركبان يتحدث عن مشروعهم الصحفي
٢٠٢٢/٣/٢٨
[ENGLISH]      


لم يكن لقاء عاديا، امرأتان و شابان في المخيم، وعبر الحدود صحفيان سوريان، والحديث مشحون بالأمل والقهر، وكان العنوان: نريد أن نوصل صوت المخيم إلى العالم، ثمة كثر وخصوصا من المعنيين بتغطية الشأن السوري، يكون نصيبهم الذهول وتعرش على ملامحهم الصدمة، حين يستغرقون في تفاصيل المخيم، يصلون إلى نتيجة: لم يكن لدينا أدنى فكرة!. هنا بدأت الحكاية، حكاية شابات وشبان في المخيم، تسلحوا بالكلمة والكاميرا، ليقولوا للعالم: نحن هنا، نستحق الحياة مثلكم، وبعد تغطيتهم لأخبار المخيم، هم الآن يروون قصصهم:

فاطمة الأسعد، أم لأربعة أطفال، ثلاث بنات وصبي، نزحت من مدينة تدمر إلى مخيم الركبان عام ٢٠١٦. عماد غالي، ولد في مدينة القريتين عام ١٩٩٣، تزوج في المخيم وأطلق على ابنته التي ولدت في الصحراء اسم شام، شام أيضا هو الاسم المتداول للعاصمة دمشق. مريم الفيصل، من مدينة حمص، عمرها ٢٧ عاما، متزوجة ولديها طفلان.

كيف وصلتم إلى هنا؟

فاطمة: مرورا بقصف قوات النظام وصولا إلى دخول تنظيم داعش بات البقاء هناك انتحار، وقررنا اللجوء إلى الأردن، وفي رحلة استغرقت أكثر من عشر ساعات عبر جرار زراعي، وصلنا إلى المخيم، كان الباب مغلقا باتجاه الأردن، صُدمت وبكيت وطلبت من زوجي العودة ولو كان الثمن هو الموت، لكن زوجي دعمني نفسيا، ومنذ ذلك الوقت ونحن نبرمج أنفسنا على التحمل والصبر، بل على النجاة.

عماد: ما إن بدأت الثورة حتى قررت الانخراط فيها، رأيت فيها حلم التحرر والتغيير، نحن نستحق ذلك، لكن جبّ علي ذلك ملاحقة قوات الأمن التابعة للأسد، ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلة هروب طويلة، من حمص إلى إدلب وعدنا إلى دير الزور ومن ثم إلى الميادين، حاولت العودة إلى مسقط رأسي، وبعد ذلك نزحنا مجددا إلى الطبقة، وبقيت أتنقل بين المدن والمحافظات إلى عام ٢٠١٥، ومع استحالة العثور على مكان آمن للنزوح قررت اللجوء إلى الأردن وعلقت هنا مثل الآخرين، لم تتوقف عند تلك اللحظة رحلة هروبي فقط، بل حياتي أيضا، يمر الوقت ثقيلا وبطيئا في المخيم، نشعر بمثل ما يشعر به السجناء والأسرى.

مريم: مع بدء القصف ولاحقا ظهور داعش لم أر الموت من حولي كما كان في ذلك الوقت، في السماء طائرات تقصف بهمجية وعشوائية، وعلى الأرض داعش تقتل بهمجية وعشوائية، لذلك شخصيا فرحت عندما وصلت إلى هنا، شعرت أن الموت الذي ظل يرافقني طويلا صار وراء ظهري، رحلتنا إلى هنا كانت محفوفة بالمخاطر، ثم تبدد كل الفرح حين تأكد لي أن حياتي ستبقى هنا في الصحراء، في خيمة، لا العودة ممكنة، ولا المضي قدما إلى الأردن ممكن، حياة الانتظار لا تختلف كثيرا عن الموت، الانتظار موت مؤجل.

لماذا قررتم التصدي لمهنة الصحافة ونقل الأخبار من المخيم؟

فاطمة: بالنسبة لي بذور هذا القرار بدأت حين قررت فعل شيء ما هنا، التصدي للشأن العام، إحساسي أننا معنيون جميعا، بفعل شيء ما يجعل الحياة ممكنة، بدأت مثلا ظاهرة مساعدة الناس بعضها البعض لبناء الخيم وتدعيمها حتى لا تقتلعها الرياح، ولاحقا تحسين المسكن وبدء المساهمة في بناء البيوت الطينية، ثم أثار الهلع غياب المدارس، تطوعنا وبنينا غرفة متواضعة تحولت إلى صف دراسي، وهكذا تطورت نظرتي للشأن العام، صارت مشاهداتي تؤلمني كما هي تجاربي، ومنها مشاهدة فتاة في السادسة عشرة من العمر، كانت تموت ببطىء بسبب غياب الرعاية الطبية، وبعد قرار تكبد المخاطر ونقلها إلى الأدن، ماتت في الطريق، في ذلك الوقت يجب أن أفعل شيئا، يجب أن يسمع العالم بقصة تلك الفتاة التي ماتت على طريق صحراوي، وهذه كانت الخطوة الأولى التي تبعها خطوات.

عماد: في بداية نزوحنا كنا معزولين حرفيا عن العالم الخارجي، لا انترنت ولا اتصالات، فقررت أن أوجد صلة وصل بيننا وبين العالم، افتتحت صالة متواضعة جهزتها بانترنت فضائي، وصار يأتيني الناس يسألون عن الأخبار ويطلبون التواصل مع ذويهم، وبدأت بعد وقت قريب بتصوير الحياة في مخيم ونشرها على حسابي في فيسبوك، وبدأ العالم يشاهد عن قرب الحال في الركبان، وبدأ بعض الصحفيين بالتواصل معي يسألون عن التطورات ويطلبون الصور لإنجاز تقاريرهم، بدأت ألحظ ما تصنعه التغطية في واقع الناس، وقررت التمكن من جميع الأدوات الصحفية قدر الإمكان لإيصال الخبر والصور باحترافية أكبر.

مريم: تغيرت حياتنا تماما منذ أن جئنا إلى هنا، كنت أبكي كثيرا، استغرقت وقتا طويلا لتصديق أن ما يحدث لنا حقيقيا، هذا هو مصيرنا ولا أمل آخر منظور، هربنا من موت إلى آخر، لكن بدأ التحول على الصعيد الشخصي عندما انخرطت في عمل توعوي مع إحدى المنظمات، بشأن الوباء والنظافة الشخصية، بدأت بلمس هذا الشعور الرائع، أن توجد فرقا في حياة الناس، ولم أوفر فرصة انضمامي لتدريب عن بعد في الصحافة، أردت إحداث أثر أكبر، الناس هنا معزولون محاصرون، والصحافة وإيصال صوتنا للخارج هو أفضل سلاح.

أنتم جزء من هذه المعاناة وعملكم يقتضي نقل ما ترونه إلى العالم، لكن ماذا عن قصصكم، هل هناك تفاصيل خاصة بكم تودون مشاركتها؟

مريم: يؤلمني في الدرجة الأولى حال الأطفال في المخيم، وخصوصا ضمن العائلات الأشد فقرا، وحين أعود إلى بيتي، أجد باستقبالي ابني محمود، عانى من مرض مجهول، فجأة سقط أمامي، وبعد رحلة علاج طويلة انتظرنا من ضمنها ستة أشهر لتشخيصه، ولاحقا مع أغلاق الحدود، توقف الدواء، كان يعاني من مشكلة عصبية، تجعله في حالات كثير غير قادر على التحدث والحركة، قلبي يعتصر ألما حين أكون عاجزة. العجز هو عنوان كل شيء هنا، وهو أكثر الأحاسيس بشاعة.

فاطمة: الحزن رفيقنا هنا، أينما نظرت حولي أجد القهر، نحن محاصرون هنا، تلقيت خبر وفاة أختي على الهاتف، أنا في مكان وعائلتي في مكان آخر، أولادي بعد المرحلة الابتدائية لن يجدوا مدرسة يقصدونها، يضطر أكبر أبنائي مساعدة والده لنقل المياه، حين أنظر إلى حالنا مع كل هذه المشقة وغياب أي أمل بالتغيير والعودة إلى الديار أصاب باليأس.

عماد: لا قدرة عندي في فصل تجربتي عن تجارب الناس، تغطيتي اليومية وخلال سنوات جعلتني أتماهى مع المخيم وأهله، لقد شاهدت حالات لعائلات في مجاعة، مرضى يموتون لأن النقاط الطبية في المخيم غير قادرة على علاجهم، الناس تموت هنا، لذلك حين أعود إلى بيتي، مهما كانت معاناتي، أكتفي أن تكون عائلتي بصحة جيدة، وأقول: لقد مر يوم آخر، لازلنا أحياء. في الليل لا أستطيع ترتيب المشاهد في رأسي، تزدحم وتسبب لي الأرق، أحاول الهروب إلى ذكرياتي، هناك إلى بيتي وأحلامي أن أصبح يوما طبيبا.

بماذا تحلمون؟

مريم: أن أصحوا غدا وأكتشف أن كل ما مر بنا مجرد كابوس

فاطمة: أن أنقذ عائلتي ومستقبلهم

عماد: أن لا يكون في الغد شيئا اسمه مخيم الركبان.


بالإمكان متابعة "شبكة الركبان" عبر:
الموقع الإلكتروني: rukbannetwork.medium.com
تويتر: @rukbannetwork
فيسبوك: @rukbannetwork
إنستغرام: @rukbannetwork