من نحن | تواصل معنا: tahrir@mashahidsooriyyah.org

موت مع وقف التنفيذ!

إعداد وتصوير: مريم الفيصل، شبكة الركبان
٢٠٢٢/٣/٢٨
[ENGLISH]      


عجز بدني ومادي ومعنوي، يئن تحت وطأته أبو فارس، النازح المُحاصر في مخيم الركبان، البالغ من العمر ٤٥ عاما، الذي يعيش مع زوجته وستة أبناء، يتمنون في كل لحظة لو أنهم بقوا في بيتهم، وماتوا تحت أنقاضه، في مأساة يرويها أبو فارس:

جئت عام ٢٠١٥ هاربا من مدينة تدمر، الموت كان في كل مكان، وكان الأمل أن نعبر الحدود إلى الأردن، لكن علقنا هنا في الصحراء، تحول المكان إلى مخيم تحاصره دول وقوات وتنظيمات، أنا أيضا يحاصرني عجزي، فقد تعرضت لحادث خلال عملي في البناء تسبب لي بإعاقة تمنعني من المشي والعمل.

كل يوم أودع بالدموع أبنائي عند الباب، اثنان منهم أعمارهم خمسة عشر عاما، وستة عشر عاما، يذهبون للعمل في تحضير "طوب الطين" الذي يستخدم في بناء البيوت في المخيم، لكن هذا العمل على مشقته محدود جدا، فقط عدة أشهر في السنة، ومردوده قليل جدا.

الأولاد الأصغر سناً، يذهبون لجمع الورق وأكياس النايلون، التي نستخدمها لإيقاد النار من أجل التدفئة والطهو، إنهم يخجلون كثيرا لذلك يذهبون بعيدا عن المنزل والحي الذي نحن فيه، أحد أبنائي مهمته جلب المياه، وهي شحيحة للغاية، فنحن في الصحراء، يحضرها من مكان بعيد، من أنبوب يصلنا من الأردن وتشرف عليه الأمم المتحدة، هو مصدرنا الأهم لمياه الشرب النظيفة، لكنه لا يكفي، هناك من يبيع الماء، نحن لا نستطيع شراءه.

هذا ما يفعله أبنائي، أعمال شاقة، يتحملون البرد الشديد في الشتاء، و درجات الحرارة العالية في الصيف، في الوقت الذي يجب أن يلتحقوا فيه بالمدارس، ما لدينا هنا ليست مدارس عملياً، هي مجرد مراكز لمحو الأمية، يتعلم فيها الأطفال مبادئ القراءة والكتابة، كما أن التعليم فيها غير معترف به، ولا شهادات تُعطى إذا أكمل الطفل المرحلة الابتدائية، مستقبلهم يضيع أمامي، لا شيء أستطيع فعله، مستقبل جميع أطفال الركبان يضيع. نحن في منطقة يسيطر عليها التحالف الدولي الذي يصرف مليارات لقتال أولئك المجانين من داعش، لكنه عاجز عن الدفع بدعم التعليم الابتدائي ليكون تعليما ابتدائيا بحق، وبناء مدرسة إعدادية أو ثانوية هنا.

في الصباح كثيرا ما نأكل الخبز فقط، وفي بعض الأوقات نبقى يومين بلا طعام أو مياه، لا أذكر مرة أن أياً من أفراد عائلتي أحس بالشبع، محرمون من أكثر الأطعمة بساطة، الكثير من الخضار والمعلبات والفواكه واللحوم بدأنا ننسى طعمها.

يغتسل أولادي في حمام لا سقف له، في الشتاء يتحول الغسيل إلى عذاب، وهم يغتسلون تحت المطر وفي البرد، يغتسلون على عجل ويهرعون إلى الموقد، الذي نستخدمه للطهي والتدفئة وصناعة خبزنا.

في الليل نجتمع معا، بيتنا لا باب له، والنوافذ نغلقها بالوسائد التي يفترض أن ننام عليها، وأرض البيت مفروشة بغطاء من البلاستيك والحصير وحين تنطفئ النار، نلتحف الأغطية، وينام الجميع، وأنا أغطي وجهي وأبكي.

الأرق هو ضيفي اليومي في الليل، واستذكر والألم يشبه السكين وهو يقطع قلبي، سؤالهم الدائم، لماذا نحن هنا؟ وإجابتي أننا جئنا بسبب الحرب والقصف والقتل، لقد هربنا من الموت، لكن في نفسي وكل ليلة أقول لقد هربنا من الموت السريع إلى الموت البطيء.

أبكي أيضا لأجل زوجتي، يؤلمني التعب الذي تعيش فيه، إنها تستبسل في تربية وإطعام العائلة، هذه المرأة أغلى من الذهب، لن أستطيع أن أكافئها.

مخيم الركبان لا يشبه سواه من المخيمات، تلك المخيمات هي حلم وجنة بالنسبة لنا، فالركبان الجميع قد تخلى عنه، حتى الأمم المتحدة، والتحالف الدولي لمحاربة داعش، وهو سلطة أمر واقع هنا، لا يوفرون لنا أي شيء، نموت بسبب البرد والجوع وغياب الرعاية الطبية، وندفن أحباءنا على مقربة من مقر التحالف، ولا يحركون ساكنا، أين إنسانيتهم؟ حتى هناك سوريين لا يكترثون بنا، التعامل معنا في الركبان بهذه الطريقة وإهمالنا من الجميع، الجميع على السواء، هو إرهاب لا يقل عن إرهاب داعش والنظام. داعش يقطع الرؤوس سريعا، هم يقتلونا ببطء. صرنا نفضل الموت السريع. لقد يئست، وإعاقتي تزيد من احساسي بالعجز والقهر، لقد ضاع كل شيء، أولادي ضاعوا، أتمنى الموت في كل لحظة.