٢٠٢٢/٣/٢٨
ترفض أم أحمد الكشف عن وجهها، تقول إنه لم يكن فيه كل هذا التعب والتجاعيد، فكل يوم في مخيم الركبان يعادل عاما وأكثر، الوقت بطيء والجهد المبذول أضعافا مضاعفة من أجل الحفاظ على العائلة، وتروي أم أحمد شيئا يسيراً من يومياتها وحالها:
أنا أم أحمد، عمري فقط ٤١ عاماً، تعتقد من ملامح وجهي أنني قد بلغت الستين، لقد كبرنا بسبب الهم والتعب، عندي خمسة أبناء، منهم ثلاث بنات، جئنا جميعا إلى مخيم الركبان عام ٢٠١٥.
حالنا مثل حال الجميع، فجأة صرنا في هذا المكان نازحين، عالقين، وصار هذا المكان مخيما لم نطلب الوصول إليه أو البقاء فيه، و نصبنا خيمتنا بعد وقت قليل من وصولنا. الهواء الشديد والعواصف الغبارية كانت تعصف بالخيمة وتنهار، ونبقى في هذا الطقس التعيس، خيمتنا الصحراء، سقفها السماء والغبار، وأرضها الرمال.
تعاونت مع أبنائي وقررت بناء بيت، لا شيء هنا سوى الرمال، والقليل من الماء. أحضرنا صناديق بيضاء تستخدم لنقل الخضار، أحضرناها من بعض البائعين، حولناها إلى قوالب، وضعنا فيها الرمال والماء، وخلطناهما، وانتظرنا جفاف الخليط، صارت تشبه "الطوب"، وبنينا بيتنا، أو في الواقع مجرد جدران. السقف لم يكن سوى خيمتنا السابقة ومعها الأغطية التي حصلنا عليها من المساعدات، وفوقها غطاء بلاستيكي ليمنع المطر.
رغم محاولاتنا الكثيرة لتدعيم سقف بيتنا لكنه يظل ينهار، الآن السقف ممزق من أحد جوانبه، حين هطل المطر، تجمعت العائلة في زاوية من البيت، و وضعنا بعض الأواني لتتجمع فيها مياه الأمطار، وحين ينتهي المطر نجمع المياه ونستفيد منها، لأن المياه شحيحة، وننظف البيت، ونترك الشمس تدخل البيت لتجففه.
زوجي تعرض لحادث قديم وزُرعت صفائح في قدميه، أحد أبنائي مصاب بالربو، وفي الشتاء وخصوصا مع العواصف الغبارية نخشى أن يصاب بنوبة اختناق، النقاط الطبية لا يتوفر فيها دائما الأكسجين. ابنتي تعاني من التهاب دائم في الحلق، وفي المفاصل، لا أطباء هنا حتى يعالجون زوجي وأبنائي.
هذا البيت يحتاج إلى أعمال تشبه الأعمال الشاقة حتى نقدر على العيش والاستمرار، يساعدني الأولاد في جميع الكرتون وبقايا الملابس والنايلون، التي نستخدمها للتدفئة والطهي، وإحدى بناتي تذهب بعيدا لإحضار الماء، من أجل الشرب والغسيل. فرص العمل هنا قليلة للغاية، لذلك فإن وضعنا المادي سيء جدا.
أسعى بأقصى طاقة ممكنة للاستفادة مما هو متوفر، أحاول صناعة خبزنا إن توفرت مادة الطحين أو استطعنا شراءها، في بعض الأحيان نبقى يومين أو ثلاثة بلا خبز. أطبخ الرز فقط بالماء والقليل من الملح، لا تتوفر مستلزمات الطبخ الأخرى، اللحوم والزيوت وغيرها من المواد نادرة وإن توفرت فهي بأسعار لا نقدر عليها.
في كل يوم أسأل نفسي، ما الذي أحاول فعله؟ فالعمل اليومي الشاق مهما كان مستواه لا يغير من واقع أننا محاصرين في الصحراء، بلا أدنى مقومات الحياة، إننا نحارب في كل يوم الصحراء وقسوتها، النزوح ومرارته، الفقر و وطأته، والقلق الذي يسكن في زوايا حياتنا، القلق من غياب فرص العمل والطبابة والأدوية. لا أذكر أنني نمت يوما وقلت في نفسي قد نجونا اليوم لكن ماذا عن الغد؟
أصاب برعب شديد من أن يصيبني مرض يقعدني، هذا البيت وعائلتي ما الذي سيحصل لهم؟ أتمنى من الله أن يرزقني القوة حتى أستطيع رعاية أسرتي، وأن ينتهي هذا الكابوس، ونعود إلى بيوتنا، لكن هذا الأمل يتلاشى يوما وراء يوم، وتحققه صار معجزة، مثل المعجزات التي نصنعها كل يوم حتى نستمر، ونبقى على قيد الحياة والأمل.
حالنا مثل حال الجميع، فجأة صرنا في هذا المكان نازحين، عالقين، وصار هذا المكان مخيما لم نطلب الوصول إليه أو البقاء فيه، و نصبنا خيمتنا بعد وقت قليل من وصولنا. الهواء الشديد والعواصف الغبارية كانت تعصف بالخيمة وتنهار، ونبقى في هذا الطقس التعيس، خيمتنا الصحراء، سقفها السماء والغبار، وأرضها الرمال.
تعاونت مع أبنائي وقررت بناء بيت، لا شيء هنا سوى الرمال، والقليل من الماء. أحضرنا صناديق بيضاء تستخدم لنقل الخضار، أحضرناها من بعض البائعين، حولناها إلى قوالب، وضعنا فيها الرمال والماء، وخلطناهما، وانتظرنا جفاف الخليط، صارت تشبه "الطوب"، وبنينا بيتنا، أو في الواقع مجرد جدران. السقف لم يكن سوى خيمتنا السابقة ومعها الأغطية التي حصلنا عليها من المساعدات، وفوقها غطاء بلاستيكي ليمنع المطر.
رغم محاولاتنا الكثيرة لتدعيم سقف بيتنا لكنه يظل ينهار، الآن السقف ممزق من أحد جوانبه، حين هطل المطر، تجمعت العائلة في زاوية من البيت، و وضعنا بعض الأواني لتتجمع فيها مياه الأمطار، وحين ينتهي المطر نجمع المياه ونستفيد منها، لأن المياه شحيحة، وننظف البيت، ونترك الشمس تدخل البيت لتجففه.
زوجي تعرض لحادث قديم وزُرعت صفائح في قدميه، أحد أبنائي مصاب بالربو، وفي الشتاء وخصوصا مع العواصف الغبارية نخشى أن يصاب بنوبة اختناق، النقاط الطبية لا يتوفر فيها دائما الأكسجين. ابنتي تعاني من التهاب دائم في الحلق، وفي المفاصل، لا أطباء هنا حتى يعالجون زوجي وأبنائي.
هذا البيت يحتاج إلى أعمال تشبه الأعمال الشاقة حتى نقدر على العيش والاستمرار، يساعدني الأولاد في جميع الكرتون وبقايا الملابس والنايلون، التي نستخدمها للتدفئة والطهي، وإحدى بناتي تذهب بعيدا لإحضار الماء، من أجل الشرب والغسيل. فرص العمل هنا قليلة للغاية، لذلك فإن وضعنا المادي سيء جدا.
أسعى بأقصى طاقة ممكنة للاستفادة مما هو متوفر، أحاول صناعة خبزنا إن توفرت مادة الطحين أو استطعنا شراءها، في بعض الأحيان نبقى يومين أو ثلاثة بلا خبز. أطبخ الرز فقط بالماء والقليل من الملح، لا تتوفر مستلزمات الطبخ الأخرى، اللحوم والزيوت وغيرها من المواد نادرة وإن توفرت فهي بأسعار لا نقدر عليها.
في كل يوم أسأل نفسي، ما الذي أحاول فعله؟ فالعمل اليومي الشاق مهما كان مستواه لا يغير من واقع أننا محاصرين في الصحراء، بلا أدنى مقومات الحياة، إننا نحارب في كل يوم الصحراء وقسوتها، النزوح ومرارته، الفقر و وطأته، والقلق الذي يسكن في زوايا حياتنا، القلق من غياب فرص العمل والطبابة والأدوية. لا أذكر أنني نمت يوما وقلت في نفسي قد نجونا اليوم لكن ماذا عن الغد؟
أصاب برعب شديد من أن يصيبني مرض يقعدني، هذا البيت وعائلتي ما الذي سيحصل لهم؟ أتمنى من الله أن يرزقني القوة حتى أستطيع رعاية أسرتي، وأن ينتهي هذا الكابوس، ونعود إلى بيوتنا، لكن هذا الأمل يتلاشى يوما وراء يوم، وتحققه صار معجزة، مثل المعجزات التي نصنعها كل يوم حتى نستمر، ونبقى على قيد الحياة والأمل.