من نحن | تواصل معنا: tahrir@mashahidsooriyyah.org

أسوأ من سجن: معسكر نيبير لاحتجاز طالبي اللجوء

 حوار أجرته «مشاهد سورية» مع بريدجيت تشابمان من شبكة مقاطعة كِنت لمساعدة اللاجئين

٢٠٢١/٣/٦
[ENGLISH]      


شبكة مقاطعة كِنت لمساعدة اللاجئين أو KRAN هي منظمة خيرية مسجلة تعمل منذ ثمانية عشر عاماً على دعم طالبي اللجوء في جنوب شرق إنكلترا. وتضم مقاطعة كِنت ميناء دوفر وهو الميناء الأساسي لحركة النقل بين المملكة المتحدة وفرنسا عبر القنال الإنكليزي. كما أن النفق الذي يمر تحت القنال الإنكليزي ينتهي في دوفر مما يجعل كِنت نقطة وصول للكثير من طالبي اللجوء في المملكة المتحدة.


وقد تواصلنا مع بريدجيت تشابمان وتحدثنا معها بخصوص عمل KRAN مع اللاجئين وكيف أصبح عمله أصعب بكثير في الشهور الماضية بعد أن بدأت الحكومة باستخدام ثكنة عسكرية سابقة لإيواء طالبي اللجوء.


أجرت المقابلة كلارا كونولي.


كلارا كونولي:

مرحباَ بريدجيت، يسعدني أن ألتقي بك، احكِ لنا عن شبكة كِنت لمساعدة اللاجئين؟


بريدجيت تشابمان:

نحن نعمل بشكل رئيسي مع طالبي اللجوء من الأطفال الدين يصلون وحدهم دون مرافقة الأهل. كما أننا نعمل على مساعدة أي شخص موجود ضمن منطقة عملنا التي هي مقاطعة كِنت، ولكن عادة يتم توزيع طالبي اللجوء من البالغين أو من العائلات التي لها أطفال إلى مدن المملكة المختلفة ويبقى في كِنت طالبو اللجوء من الأطفال، وذلك لأن واجب رعايتهم يقع على السلطات المحلية في كِنت. ولأن السلطة المحلية في كِنت تعاني من نقص الموارد شأنها في ذلك شأن بقية السلطات المحلية الأخرى، يأتي دورنا كدعم إضافي لطالبي اللجوء من صغار السن كي يعيشوا حياة سعيدة وصحية وناجحة.


إن منطقتنا هي الأقرب للقارة الأوروبية، ويمكنني رؤية فرنسا بوضوح من مدينتي إذا كان الجو صافياً.


لقد كانت هذه المنطقة من المملكة المتحدة ومازالت نقطة وصول للاجئين، الذين يجدون فيها الملجأ، ابتداءً من مسيحيي الهوغونوت الذين فروا من الاضطهاد في فرنسا واستوطنوا منطقة ساندوتش في كِنت، ومروراً بالحرب العالمية الأولى عندما وصل اللاجئون من بلجيكا بعد الاحتلال الألماني لبلادهم. وفي أغسطس عام ١٩١٤ وصل إلى فوكستون، المدينة التي أكلمك منها الآن، أربعة عشر ألف لاجئ في يوم واحد. 


وهذا يعني أن الوضع الذي نحن فيه الآن ليس جديداً، ولا يعتبر أزمة بالنسبة لنا، ولكنه بالتأكيد أزمة للأشخاص الذين يركبون القوارب.


ما هو برنامجك اليومي الاعتيادي؟ وما هو دورك في هذه المنظمة؟


لقد عملت مقابل أجر مادي في المنظمة لمدة ست سنوات، وحالياً أنا الناطق الإعلامي للمنظمة. كما أنني أتعامل مع بعض الحالات بشكل مباشر، وأساعد في شؤون التعليم لأنني حاصلة على شهادة معلّمة مؤهلة.


ماذا تقصدين بشؤون التعليم؟ هل تُعلّمين اللغة الإنكليزية؟


منظمتنا ليست منظمة للتعليم الرسمي ولا نريدها أن تكون كذلك. ولكننا نرى أنه من الضروري للاجئين ال الالتحاق بمراكز التعليم الرسمية المحلية إلى جانب الطلاب المحليين بأسرع ما يمكن. وهذا سيكون لمصلحتهم ومصلحتنا جميعاً كمجتمع، ولكن في حال وصول اللاجئ الشاب في شهر مايو لن يستطيع الالتحاق بالدراسة قبل شهر سبتمبر، وهذه فترة طويلة نستطيع فيها أن نعمل على تقوية لغته الإنكليزية ليكون جاهزاً للدراسة.


كما أننا نركز كثيراً على المهارات العملية في الحياة، فإن معدل عمر الأشخاص الذين نعمل معهم هو ستة عشر أو سبعة عشر عاماً، ومعظمهم يعيشون مستقلين ولا يوضعون تحت الرعاية أو التبني، وإنما يوزعون في مجموعات في شقق أو بيوت ليعتنوا بأنفسهم. المشكلة أن الموظفين الاجتماعيين يقعون تحت ضغوط عمل كبيرة، وعليهم أن يتواصلوا مع الشباب كل ست أسابيع، وهذا التواصل قد يتم عبر الهاتف. تصوّري حياة هذا الشاب ذي الستة عشرة عاماً وهو يعيش وحده في بيت بدون وجود شخص بالغ مسؤول عنه. لابد من ظهور بعض المشاكل.


نحن نُعلِّم الكثير من المهارات الحياتية، فننظم مثلاً دروساً في الطبخ وهي مهمة خاصة لأن الطلاب خلال هذه الدروس يستخدمون اللغة الإنكليزية ويستخدمون الرياضيات ويتعلمون مهارات تساعدهم على العيش المستقل والحياة الصحية. كما أننا نعلمهم كيفية التدبير المالي وطرق حل النزاعات وإقامة علاقات اجتماعية صحية.


ونعلمهم كذلك جميع أنواع المهارات والأمور التي من الممكن أن يتعلمها الإنسان من الأب أو الأم، لأن الوالدين للأسف غير موجودين. فمع أننا لا نستطيع أبداً القيام بدور الأه،ل ولكننا نسعى إلى تقديم أنواع الدعم والمساعدة التي تقدمها العائلة عادة.


ونواجه باستمرار مشاكل جديدة، مثلاً أحرق أحدهم شقته لأنه لم يستخدم المايكرويف من قبل، وبالتالي لم يعرف أنه لا يجوز وضع ملعقة معدنية في المايكرويف. وهذا طبيعي، فكيف سيعرف بذلك إذا لم يخبره أحد؟


وقالت مجموعة أخرى من الشباب أن التيار الكهربائي انقطع في بيتهم لمدة يومين وقد حدث ذلك في فترة الشتاء والظلام والبرد. وعندما تحققنا من الموضوع اكتشفنا أن مأخذ الكهرباء الرئيسي قد انفصل، ولم يُرِهم أحد من قبل صندوق مأخذ الكهرباء ويدلهم على طريقة تشغيله عندما يفصل. والعديد من الأشياء الأخرى المشابهة مثل مساعدتهم على التقديم على شهادة قيادة سيارة مؤقتة أو الاحتفال بأعياد ميلادهم وإنجازاتهم وكل ما قد يسعدهم.


وكيف تتعرفون على هؤلاء الأشخاص وكيف يتعرفون عليكم؟


يحوّلهم الموظفون الاجتماعيون إلينا وبعض الأشخاص يجدوننا بأنفسهم أو عن طريق أصدقائهم، كأن يقول أصدقاءهم منظمة KRAN قد تستطيع المساعدة في هذا الأمر. والشباب الأصغر في العمر ماهرون باستخدام أجهزة التكنولوجيا الحديثة وبالتالي يستطيعون إيجاد صفحاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي والتواصل معنا عبر الفيسبوك وإنستغرام وتويتر.


روابط شبكة كِنت لمساعدة اللاجئين

موقع الكتروني: kran.org.uk
موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك: kentrefugeeactionnetwork
انستغرام: kentrefugeeactionnetwork
تويتر: _KRAN_


معظم الدعم الذي نقدمه في الوقت الحالي هو الدعم المعنوي للأشخاص الذين وضعت طلباتهم قيد الانتظار. فأحد الشباب الذين أعمل معهم كان عمره عندما وصل من أفغانستان خمسة عشر عاماً، وقد أصبح عمره الآن اثنان وعشرون عاماً. هذا الشاب مصاب بطرش كامل ولديه وثيقة طبية تثبت وجود صعوبات في التعلم، ولقد تم رفض طلبه عدة مرات، ووضعه الآن أصبح أصعب بعد أن أصبحت الطلبات كلها تعالج عبر الانترنت وتأخذ وقتاً أطول. وقد ساعدناه مؤخراً ليمثل أمام محكمة عبر الانترنت، وتأكدنا أنه فهم على المترجم وبعد ذلك أجبنا على تساؤلاته حول الموضوع.


هذا مثال عن نوع الخدمات القانونية التي نقدمها، نحن نوجّه الناس إلى المكان الذي سيحصلوا منه على استشارة قانونية ونساعدهم في الحصول عليها.  كي تقدم نصيحة قانونية عليك أن تكون مؤهلاً لذلك، ولذلك عندنا شخص مؤهل في المنظمة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد أفرادها الاثني عشر أو الثلاثة عشر شخصاً، وعمل هذا الشخص ينصب بشكل رئيسي على توجيه اللاجئين إلى المحامين الذين نعمل معهم بشكل منتظم مثل مجموعة دنكان لويس للمحاماة Duncan Lewis، التي نتعامل معها كثيراً.



لقد عملتم بشكل أساسي على مساعدة القُصَّر الواصلين بدون أهلهم، ولكني أعتقد أن عملكم قد تغير مؤخراً، فهل هذا صحيح؟


أجل، ففي سبتمبر العام الماضي ٢٠٢٠، علمنا أن موقعاً عسكرياً مهجوراً وهو ثكنة نيبير Napier Barracks في فوكستون سيستخدم لإيواء طالبي اللجوء، ونحن قلقون جداً لعدة أسباب.


الآن نعيش جائحة عالمية، وفكرة أن تضع عدداً كبيراً من الناس في مكان صغير فكرة مرعبة. ولكن أيضاً، جزء منهم قد تعرض للتعذيب على يد العسكر وسجنوا في أماكن مثل ليبيا، ثم تضعهم هنا في مكان أشبه بالسجن، محاط بأسلاك شائكة وهم محبوسون داخله.  نعتقد أن هذا الوضع سيؤدي إلى إيذاء هؤلاء الأشخاص نفسياً إيذاءً كبيراً. كما أن مكان المعسكر معزول وبالتالي فقد خشينا أن يستهدفهم ناشطو اليمين المتطرف.


وللأسف فقد حصل كل ما كنا نخشاه.


لماذا تعتقدين أن وزارة الداخلية قد قررت إيواء طالبي اللجوء في موقع عسكري سابق؟


أعتقد أن هذا الفعل كان مقصوداً، وما أكد لي ذلك تقرير "تقييم تأثير  المساواة"، الذي صرحت فيه بريتي باتيل بكل وضوح بأنهم لا يريدون أن يظهروا بشكل كريم في تعاملهم مع طالبي اللجوء، وبالتالي فقد وضعوهم بشكل مقصود في أماكن أشبه بالسجون.


وهم يعتقدون أن هذا سيردع الناس عن المجيء، وكأن الإنسان الذي تسقط القنابل على بيته سيقول لنفسه "لا لن أذهب إلى ذلك المكان لأنهم سيضعونني في ثكنة عسكرية".


أنا لا أفهم هذه العقلية. وأعتقد أننا يجب أن نفعل كل ما في وسعنا لرعاية الناس على أكمل وجه. فلدينا الكثير من المال لذلك. وهذه السياسة مجرد قسوة لا أكثر ولها تأثير حقيقي على صحة الناس العقلية.


تقول وزارة الداخلية إنه لا توجد أماكن سكن كافية في أي مكان آخر. ,انهم يواجهون، ولأول مرة منذ فترة طويلة، كمية ضخمة من لما يقرب من خمسين ألف قرار لجوء، ولذلك فإن طالبي اللجوء الذين ينتظرون قراراً  يحتاجون أن يقضوا وقتاً أطول في الإقامة (المؤقتة). هل ترين أن هذه مشكلة؟


أجل، إنها بالفعل مشكلة كبيرة. وأنا متأكدة أنهم يستطيعون إيجاد مكان أنسب. الفنادق ليست المكان الأمثل ولكنها تبقى أفضل من المعسكرات كحل مؤقت. هناك فندق في فوكستون يتسع لخمسمئة وخمسين غرفة وقد استخدمته وزارة الداخلية من قبل. يستطيعون إخراج الجميع من المعسكر حالاً لو أرادوا ذلك.


حتى قبل الجائحة كان التعامل مع طلبات اللجوء بطيئاً بشكل كبير. وتفاقمت كمية الطلبات المتراكمة خلال الجائحة. لذا يجب إنهاء الطلبات المتراكمة وهذا من شأنه تسريع إخلاء أماكن الإقامة المؤقتة. 


لم يسبق أن وُضع طالبو اللجوء في معسكرات في بريطانيا، رغم حدوث ذلك في أستراليا وبلدان أخرى. ولكن هل تعتقدين أن هذا تزامن مع وصول أعداد أكبر من الناس في قوارب صغيرة من فرنسا؟


نعم كانت هناك زيادة في عدد الوافدين بالقوارب، ولكن بشكل عام انخفض عدد طالبي الجوء. السبب هو أن معظم طرق الوصول الأخرى قد أغلقت، لذلك فالقادمون يستخدمون الآن الطريق الوحيد المفتوح.


هل يمكنكِ أن تصفي لنا شكل الثكنة وكيف هو الحال بالنسبة للمقيمين فيها وماذا يحدث فيها؟


أعتقد أن ثكنة Napier Barracks تعود إلى عام ١٧٩٤. وهناك الكثيرون ممن يقولون "هذا المكان كان مقبولاً لدى الجنود البريطانيين." ولكنه في الواقع لم يكن مقبولاً فالجيش البريطاني لم يستخدم هذه الثكنة منذ سنوات لأنها لم تكن على المستوى المطلوب بل كانوا ينوون هدمها. الثكنة في حالة رهيبة. مبانيها باردة ومظلمة وبائسة.


وهناك لافتات على الثكنة (منذ أن كانت موقعاً عسكرياً) تقول "احذر الكلاب" وعليها صور كلاب بوليسية كاشفة عن أنيابها. هذا مكان مرعب، وهي وإن لم تكن معزولة كلياً مثل ثكنة Penally في ويلز، إلا أنها في موقع منعزل للغاية.


ولكنهم غير مسجونين فيها، أليس كذلك؟


لقد أصبحوا مسجونين الآن. ولم يكن الوضع كذلك في الأصل حيث كان للمقيمين حرية الدخول والخروج. كان هناك موعد يجب أن يرجعوا فيه وهو الساعة ١٠ مساءً. وإذا وضعوك في منزل، فأنت حر في المجيء والذهاب. ويجب أن يكون الأمر نفسه تماماً بالنسبة للمقيمين في الثكنة. ولكن فُرض عليهم موعد العودة الذي ذكرته، وقد وجدنا أن البوابات تغلق بشكل عشوائي خلال النهار، لذلك لا يتمتعون بحرية الدخول والخروج.


قبل تفشي وباء الكورونا كان المقيمون إلى حد ما قادرين على الخروج من الثكنة. لكنهم كانوا كلما خرجوا يتعرضون للمضايقات من نشطاء اليمين المتطرف، أو أفراد من العامة تأثروا بنشطاء اليمين المتطرف. ولقد شاهدت ذلك بأم عيني في مقاطع فيديو. كانوا يشتمونهم شتائم عنصرية ويقولون لهم أن يرجعوا إلى ديارهم، وقالوا عنهم بأنهم إرهابيون من داعش. ووجهوا إليهم إساءات فظيعة، وعنصرية بغيضة، وكلاماً معادياً للإسلام. هذا المكان مكان مليء بالخوف ولا يشعرك بالأمان.


بالنسبة لنشطاء اليمين المتطرف، هل كان هناك نوع من الاعتصامات أو المظاهرات أو الاحتجاجات، أم أنهم مجرد أشخاص يمرون أمام الثكنة ويصرخون بهذه الأشياء الفظيعة؟


يُقال «رب ضارة نافعة». أليس كذلك؟ قد لا تكون لهذه الجائحة منافع كثيرة ،لكنها على الأقل منعت التجمعات. ولذلك توقفت مضايقات اليمينين المتطرفين. كانت هناك عدة احتجاجات لليمين المتطرف. ولكنها صغيرة ولم يكن فيها أعداد كبيرة من الناس. فهؤلاء لا يمثلون غالبية السكان المحليين على الإطلاق.


وقد نظمت KRAN نشاطاً ترحيبياً. لأننا سئمنا من المُعلّقين اليمينيين الذين يقولون إن السكان المحليين لا يريدون المهاجرين هنا. كنا نعلم أن هذا الادعاء كاذب لأن الكثيرين جاءوا يعرضون المساعدة. تلقينا رسائل بريد إلكتروني ومكالمات هاتفية ورسائل نصية تقول "كيف يمكنني المساعدة؟" "أنا مدرس متقاعد، هل يمكنني فعل شيء؟" "لدي بعض البطانيات، هل يمكنني إعطاؤها لكم؟" "هل يمكنني طهي بعض الطعام لكم؟"


لقد كان حدثاً رائعاً، وكان يتناقض تماماً مع ما يقوله هؤلاء المعلقون من اليمين المتطرف. وفي النهاية قررنا المضي في تنظيمه رغم الجائحة وتمكنا في ذلك الوقت من تنظيم احتجاج.


وقد شرعنا في الحديث مع المجموعات الكنسية المحلية ومجموعات المجتمع المحلي ومع الناس كي ينضموا لنا، وانتهى بنا الأمر أن اجتمعنا في يوم بارد جداً من شهر أكتوبر وسط جائحة بوجود حوالي ٤٠٠ شخص. كانت الموسيقى حاضرة وكان الناس يرفعون لافتات تدعم القضية.


ولكن بوابات الثكنة كانت مغلقة، لذا لم يسمحوا للمقيمين فيها بالخروج. وأنا لا أفهم لماذا فعلوا ذلك. لكن المقيمين كتبوا رسائل شكر على لافتات، وكان هناك بعض الأحاديث المتبادلة الرائعة، وكان الهتاف والود والتضامن بين المجموعتين رائعاً.


وبسبب الوباء، مكثنا هناك لمدة ساعة تقريباً، ثم ذهبنا. وقد بقيت أنا لإجراء بعض المقابلات، لذلك كُنت موجودة هناك عندما سمحت الشرطة للمظاهرة المضادة لليمين المتطرف بالمرور بعد ذلك، وكان عددهم ٢٧. وأنا متأكدة أنهم لم يكونوا جميعاً من سكان المنطقة. بينما كان معظم الأشخاص الذين حضروا الاحتجاج الذي نظمناه من سكان المنطقة. وكان ذلك أمراً معبراً جداً بالنسبة لي.


هل استطعتم إعطاء أشياء لطالبي اللجوء والنزلاء؟


لا، لم نتمكن في ذلك اليوم. فقد جعلوا تنظيم هذا النشاط أصعب ما يمكن. وقد تعرضت منظمتنا للكثير من الضغوط لإلغاء الحدث.


أولاً، تلقينا مكالمة هاتفية من مسؤول الاتصال في الشرطة المحلية، ثم اتصل بنا الرقيب. ثم اتصل المفتش، واستمرت الرتب في الارتفاع. وكانت الشرطة تقول لنا أشياء مثل: "ألا يمكنكم تنظيم هذا الحدث على الإنترنت؟" وأنا أقول "لا، يجب أن يكون لدينا حدث على الأرض – علينا إظهار دعم حقيقي".


ثم كتبت رئيسة المجلس البلدي إلى المديرة التنفيذية لمنظمتي طالبة منها إلغاء النشاط. وقالت إنه سوف يهدر موارد الشرطة في وقت الوباء لأنه قد يجذب اليمين المتطرف. وكان ردي على ذلك: "حسناً، امنعوا اليمين المتطرف إذن".


وكان علينا إجراء الكثير من التغييرات. فقد كنا ننوي مثلاً أن نعلق لافتات فيها رسائل دعم للاجئين على سور الثكنة، ولكنهم قالوا لنا أنه كان علينا أن نطلب الإذن من وزارة الدفاع فقلت لهم: "إذاً لن نفعل ذلك". كانت هذه مجرد عقبة أخرى وضعوها عمداً في طريقنا ثم أغلقوا البوابة حتى لا يختلط الناس.


ولكن الثكنة ليس من المفروض أن تكون سجناً، هل هذا صحيح؟


في الحقيقة يا كلارا، لو كانت الثكنة سجناً أو مركز اعتقال لكان لها قواعد تضبط أشياء مثل عدد الأشخاص الموجودين في غرفة واحدة. ولكنها ليست سجناً ومن المهم حقاً أن نتذكر ذلك. ولكن الأمر المثير للسخرية هو أن ظروف المقيمين فيه كانت ستكون أفضل لو أنهم في سجن أو مركز اعتقال، لأنهم عند ذلك سيخضعون لقواعد وقوانين محددة حول السكن الذي يقيمون فيه.


ولكنهم يعيشون في هذه المنطقة الرمادية التي خلقتها وزارة الداخلية عمداً وجعلتها مجرد مكان للإقامة يبدو من الخارج كأنه سجن له بوابات يستطيع القائمون عليه إقفالها كلما أرادوا.


هل يمكنك أن تخبرينا المزيد عن تفشي فيروس كورونا؟


سمعنا بادئ الأمر عن وجود حالات كورونا، لكن الخبر تم نفيه أو قالوا لنا أن هناك حالة واحدة وقد تم عزلها. ثم تبين أن أن من بين ٤١٥ شخصاً موجودين في المعسكر كان هناك أكثر من ١٠٠ شخص مصابون بالكورونا. عند ذلك كان الوضع قد خرج عن السيطرة.


وقد حاول المقيمون في المعسكر كل ما في وسعهم لطلب نقلهم بطرق سلمية. وحاولوا القيام بعدة احتجاجات سلمية. وشاهدت بنفسي مظاهرتين اثنتين، وكانت المظاهرتان مراقبتين مراقبة شديدة وكان رجال الشرطة يرتدون ملابس مكافحة الشغب.


وقد نظم المقيمون احتجاجات سلمية داخل المخيم. وصنعوا لافتات من أغطية الأسرة وكتبوا عليها رسائل يطلبون فيها نقلهم قائلين إنهم خائفون من كورونا. وقد كتبوا تلك الرسالة البليغة جداً التي أريتك إياها. وحاولوا بدء عملية تقديم شكوى رسمية، وحاولوا التحدث إلى الصحافة ثم قيل لهم أنهم لا يستطيعون فعل ذلك لأن ذلك سيستخدم ضدهم في قرارات طلبات اللجوء – وهو أمر معيب – لكن هذا ما حدث.


ثم أخرجوا مائة شخص من المخيم. كان هناك ٤١٥ شخصاً في مساحة صغيرة، منهم أكثر من ١٠٠ شخص مصاب بالمرض وقرروا نقل هؤلاء المائة. وقيل للباقين أنهم سوف يُنقلون، ثم قالوا لهم في رسالة أخرى أنهم لن ينقلوا بل سوف يعتبرون أن كل مهجع من مهاجع النوم  مجموعة مغلقة منفصلة، وأن عليهم البقاء في مهاجعهم لمدة عشرة أيام. وللعلم يصل عدد الموجودين في كل مهجع إلى 28 شخصاً. ونحن لا نعرف من منهم مصاب ومن ليس مصاباً.


وهناك الكثيرون منهم يعانون من مشاكل نفسية، وقد وضعوهم تحت ضغوط لا تُصدق. وحدثت عدة محاولات انتحار. ويبدو أن أحد النزلاء لم يعد يحتمل فأضرم النار في المكان.


هذا التصرف طبعا ليس مقبولاً، ولكنني أتفهم أن النزلاء جربوا كل شيء آخر ولم يُصغِ لهم أحد. فإذا لم تمنح الناس صوتاً فسوف يفكرون بخيارات أخطر.


وبعد ذلك، أصدرت وزيرة الداخلية بياناً مشيناً قالت فيه أن ذلك إهانة لدافعي الضرائب. ولكن أنا دافعة ضرائب، وأعتقد أن استخدام وزيرة الداخلية مثل هذه المصطلحات تصرف غير مسؤول أبداً.


ليس هذا الوضع بجديد على الوزيرة. فقد تجاهلت كل التحذيرات، وبدلاً من تحمل المسؤولية حاولت تحميل المسؤولية للأشخاص الذين ليس لديهم أية سلطة في هذا الموقف.



لقد قرأت تقريراً يفيد بأن معسكر Penally – وهو  معسكر منظم جداً – قد أرسل أموالاً وقسائم شرائية وأشياء أخرى خاصة بالهواتف المحمولة، لأنه لم يكن هناك طريقة لشحن البطاريات، لذلك لم يتمكن النزلاء في ثكنة نيبيير من شحن هواتفهم.


لم أقرأ هذا التقرير، ولكنني أعتقد أن الأشخاص الأقل سلطة تصرفوا بشكل أكثر مسؤولية في هذه الأزمة. لا أدري إذا كُنتِ قد قرأتِ الرسالة التي كتبها المقيمون في الثكنة بعد الحريق، ليقولوا إنهم متأسفون حقاً على ما حدث. لقد كانت رسالة مليئة بالكرامة، وأعتقد أنها كشفت الرد السيء من وزيرة الداخلية. لذلك لا يفاجئني على الإطلاق أن المقيمين في معسكر Penally أظهروا هذا التضامن المشرّف.


أتمنى أن تغلق الثكنة وأن يُنقل المقيمون فيها إلى أماكن إقامة آمنة ومناسبة على الفور، وألا تُستخدم معسكرات كهذه مرة أخرى لإيواء طالبي اللجوء. وهناك الآن الكثير من الضغوط على وزيرة الداخلية، لكن يبدو أنها تزداد إصراراً على موقفها.


سوف نستمر في حملتنا، وسنواصل دعم ساكني الثكنة بأية طريقة ممكنة. تصلنا رسائل تطلب الحصول على بعض المواد الغذائية الأساسية كالطماطم والجبن واللبن والخبز. وأعتقد أنه من المشين أن نعيش في دولة هي خامس أكبر اقتصاد في العالم، ونجد أناساً مضطرين لطلب الطعام من مؤسسة خيرية.


وهل تستطيعون تأمين هذه الأمور؟ كُنتُ أعتقد أن كل شيء يجب أن يمر من خلال Migrant Help - المنظمة الرسمية التي تمولها وزارة الداخلية.


نحن نقدم أفضل ما لدينا للتعاون مع Migrant Help. ولكننا وجدنا طريقة أسرع كثيراً وهي أننا عندما يطلب أحد شيئاً، أرسل بريداً إلكترونياً إلى إدارة المخيم، وأقول لهم أنني تلقيت طلباً، وأنني سأحضر كيساً من الطعام، وأطلب أن يخبروني إذا كانت هناك مشكلة في هذا. وبعد ذلك عندما أكون في طريقي إلى الثكنة، أرسل رسالة إلى الشخص الذي طلب المساعدة كي يقابلني عند البوابة. لأنه لا يسمح لي بالدخول، ولا يسمح لهم بالخروج. يمكنني الاطمئنان عنهم بسرعة عند البوابة. أعطي الحقيبة إلى حارس الأمن عند البوابة، وهو يعطيها إلى المقيم، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها توصيل الأشياء إلى الناس.‎


أعلم أن الناس في ثكنة Napier Barracks قد واجهوا صعوبات كثيرة في الحصول على استشارات قانونية، وأن شركة محاماة محلية حاولت الذهاب إلى هناك فمُنعت من دخول الموقع. هذا أمر في غاية الغرابة ولا أفهم كيف يكون هذا التصرف قانونياً.


فإذاً أنتم توجّهون عملكم للتركيز على دعم المقيمين في الثكنة؟


يمكنني القول إننا ضاعفنا عملنا. فما زلنا ندعم جميع الشباب الذين نعمل معهم. ونحن ندير ما يسمى بـ"بنك الطعام". ونتصل بهم بالهاتف لنطمئن عليهم ونلتقي بهم على أبواب منازلهم. وقد أجريت مكالمة هاتفية مع شخص ثبتت إصابته بفيروس كورونا وساعدته في إكمال طلب الحصول على المساعدة المالية أثناء فترة العزل.


ولكننا نواجه مشكلة حقيقية بسبب قلة الموارد الإلكترونية لدى الشباب الذين نعمل معهم. حيث يمكننا توفير تعليم فعال للغاية عبر الإنترنت، ولكن معظمهم لا يمتلك شبكة Wi-Fi في منازلهم، وهو أمر غير معقول. نتمنى أن يحصلوا جميعاً على اتصال جيد بالإنترنت. لأن هذا سيحدث فرقاً كبيراً في حياتهم.


أتطلع إلى الوقت الذي يمكننا فيه العودة إلى العمل المجتمعي مرة أخرى، لأن العمل المجتمعي له دور فعال في تغيير المواقف محلياً، والسياسيون (الذين يجب أن يترفعوا عن هذا السلوك) يقولون إن البلد تتعرض للغزو. ويقولون إن هؤلاء ليسوا لاجئين مستضعفين وبعضهم يتحينون الفرصة كي يسيطر الإسلام على المملكة المتحدة. وهذا بالطبع كلام فارغ، لكن الناس خائفون. لقد زرعوا فيهم الخوف.


الشخص المدعو نايجل فاراج يقول هذه الأشياء. وحتى ناتالي إلفيك، عضوة البرلمان التي تمثل منطقة دوڤر تقول ذلك. وأعتقد أنها وصفت الأشخاص الذين يصلون إلى البلاد أنهم "يقتحمون بريطانيا"، وكأنهم لصوص. وكما أعلم وتعلمين فإن دخول بلدٍ ما لطلب اللجوء ليس جريمة جنائية. فالشخص الذي يفعل ذلك يغطيه القانون الدولي بشكل كامل.


هناك شكل من أشكال التنظيم لدى اليمين المتطرف، في كِنت وفي سائر أرجاء المملكة المتحدة، لكنني لا أريد أن أجعلهم يبدون أكبر مما هم عليه. فهم ليسوا إلا أقلية هامشية، لكن هذه الطريقة في الكلام يكررها أشخاص يشغلون مناصب كبيرة ويجب أن يترفعوا عن هذه التصرفات.


المنطقة التي أعيش فيها هي واحدة من أكثر عشرة مناطق حرماناً في المملكة المتحدة. مستوى الفقر والحرمان هنا خطير، وقد عانت المنطقة من انخفاض الاستثمار فيها لفترة طويلة. فلا توجد فيها وظائف لائقة كافية. وهناك مشكلة حقيقية في الحصول على طبيب عام وفي تأمين مكان لطفلك في المدرسة القريبة، لكن هذا ليس خطأ الأشخاص القادمين في القوارب، إنه خطأ الحكومة، وقد جعلوا أهل المنطقة يشعرون بالسخط من أناس لا ذنب لهم بدل المذنبين الحقيقيين.‎‎


ولكننا عندما نقوم بالعمل المجتمعي ونجمع مختلف الفئات معاً ويلتقي أهل المنطقة بالشباب الذين نعمل معهم (طبعاً نحن نفعل ذلك بطريقة مدروسة وآمنة) فنحن نكسر الكثير من الحواجز على الفور مما يزيل الخوف تماماً، لأن الناس يرون أن اللاجئ إنسان مثلهم. لذا فإن ما أريده حقاً هو العودة إلى القيام بهذا النوع من العمل، لأنني أعتقد أن هذا هو أفضل ما يمكننا فعله.


هل تعتقدين أن الثكنة ستغلق وأن الحملة ستنجح في إغلاقها؟


لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن للحكومة الاستمرار في تعريض الأشخاص الذين يجب أن يعتنوا بهم للخطر. أنا أعلم أن هناك اعتراضات قانونية، لذلك أعتقد أنه سوف يتم إغلاقها في نهاية المطاف. لكنني أود أن يكون ذلك عاجلاً وليس آجلاً، وأود أن تتوقف وزيرة الداخلية عن استخدام خطابها الذي يفرّق الناس ولا يجمعهم.


أعتقد أنه في ظل الإدارة الحالية، في ظل وزيرة الداخلية الحالية، تدهورت الأمور كثيراً بالنسبة لطالبي اللجوء. وأعتقد أن الوضع مخجل للغاية.


أنا شخصياً أشعر بالخجل الشديد من وجود أشخاص في فولكستون، في المدينة التي أعيش فيها، يعيشون في ظروف أسوأ من ظروف السجن.





نشرت هذه المقالة على الانترنت بتاريخ ٢٠٢١/٣/٦.
شرح الرسومات:

مظاهرة طالبي اللجوء داخل معسكر نيبير، تم رسم اللوحة بناءاً على صورة فوتوغرافية أخذت من قبل بريدجيت تشابمان

قوات الطوارئ أثناء الاستجابة لحريق معسكر نيبير في ٢٩ من كانون الثاني ٢٠٢١، م رسم اللوحة بناءاً على صورة فوتوغرافية أخذت من قبل بريدجيت تشابمان

تم اجراء هذه المقابلة في ٢٠٢١/٢/٣.
ترجمة: حمود عبيد
التفريغ: زوي رانسون
رسم اللوحات: :كيلي ستروم