من نحن | تواصل معنا: tahrir@mashahidsooriyyah.org

هل سأموت وحيداً في الصحراء؟

إعداد وتصوير: فاطمة الأسعد، شبكة الركبان
٢٠٢٢/٣/٢٨
[ENGLISH]      


في مخيم الركبان، ذلك المكان البعيد عن كل مظاهر الحياة، وسط الصحراء، في منطقة نائية عند الحدود السورية الأردنية، يتجول أبو محمد، على عكازه، أعوامه الأربعة والستين تزيد من ثقل حركته. كان له فيما مضى بيتا وأولادا وحياة، واليوم هو نازح وحيد محاصر، المسافة بينه وبين الموت قهرا أو جوعا أو ألما، أقرب من المسافة بينه وبين زوجته وبيته وأولاده والأمل، ويروي أبو محمد:

هربا من الموت، وخوفا على عائلتي جئنا إلى هنا عام ٢٠١٥، كنا ننوي الوصول إلى الأردن، المخيمات هناك صارت حلما بالنسبة لنا، لكن حدث ما لم نكن نتوقعه. الانتظار عند الحدود تحول إلى إقامة شبه دائمة، بنينا في البداية خيمة متواضعة، مع الوقت تحولت إلى بيوت طينية، تقلل من قسوة الطقس، البارد جدا في الشتاء، والحار جدا في الصيف.

ليس هذا ما وعدت به أبنائي. استدنت بعض المال لتمويل رحلتهم إلى الشمال السوري. الأوضاع هناك سيئة للغاية لكنها بالنسبة لمخيم الركبان هي الجنة. رحلتهم كانت محفوفة بالمخاطر، ومكلفة للغاية، والمال كان يكفي فقط لهم، آثرت أنا وزوجتي البقاء هنا، مستقبل الأولاد هو الأهم. بعد فترة طويلة توفر لنا بعض المال، أرسلت زوجتي لتلحق بأبنائي، لم يكف المال حتى أغادر معها.

ابنتاي تزوجتا هناك، وحرمت من حضور حفل الزفاف الذي كنت أتخيله منذ أن كانوا أطفالا. اكتفي فقط بالصور، أفرح لأجلهم، وأبكي لأجلي.

لا توجد فرص عمل جيدة في الشمال السوري لكن أولادي يبذلون أقصى جهد ممكن. ما يُرسلونه لي أشتري به طعامي. عندي وجبة واحدة فقط في اليوم، بيضتان وقطعة بندورة، وبعض الخبز.

قديما تعرضت لحادث، لا أستطيع المشي بشكل جيد، لذلك لا أستطيع أن أخدم نفسي جيداً، كما أن عيني تحتاج إلى عمل جراحي، لا يوجد هنا أطباء ولا مستشفيات والدواء شحيح، قدرتي على النظر تتراجع شيئا فشيئا،لولا مساعدة الجيران لي لكنت في وضع لا حدود لبؤسه. أحاول قدر الإمكان تنظيف بعض الآواني وغسيل ثيابي لكن أحيانا البرد يمنعني من ذلك.

مخيم الركبان في الصحراء، الطبيعة هنا بخيلة جدا، لا أشجار نحتطبها للمواقد، من أجل الطهي والتدفئة، نستخدم للحرق موادّ من النايلون والإطارات المطاطية. تسبب دخان هذه المواد بضرر جسيم للعائلة، وخاصة زوجتي.لا توجد كهرباء أستخدم ضوء الولاعة ليلا، وأحاول النوم باكرا، لولا أنني أظل أتخيل في العتمة حياتي، كان عندي بيت وعائلة، كانت حياتنا جميلة، لم أكن أتخيل حتى في أكثر الكوابيس سوء أن ينتهي بي الحال إلى هذا. وفي كل ليلة أسأل نفسي: هل سأموت وحيداً وأدفن هنا في الصحراء؟.